الخميس، 4 يوليو 2019

كتاب صنعة الشعر لبورخيس: الخيانة الأدبية والترجمة المأساوية



1

كنتُ أُقلِّب كتب الشعر عندي لاختار ديواناً جديداً أقرأه. في مثل هذه الكآبة ومع كل القلق والهواجس قد تستعصي علي القراءة أحياناً، ولكن كتب الشعر خفيفة ومليئة بالعاطفة، وأنا أحتاج الآن للخِفة والعاطفة. وجدتُ كتاب This Craft of Verse للأرجنتيني العظيم بورخيس (أقول "الأرجنتيني" لأنني بصراحة لا أعرف وصفاً أدبياً يوفيه حقه! أشعر بأن كاتب وشاعر لا تعبران عن سحره). طالما أقرأ الكثير من الشعر في هذه الفترة فلعل قراءة كتاب عن الشعر ستكون مفيدة، لعل هذا الكتاب سيساعدني على فهم الشعر والإحساس به أكثر، كما أن بورخيس هو أحد كُتابي المفضلين جداً والذين أستطيع أن أقرأ لهم في أي وقت وفي أي مزاج.



بدأتُ قراءة الكتاب. هو عبارة عن ست محاضرات ألقاها بورخيس عن مواضيع متعلقة بالشعر (والأدب بصفة عامة). لقد كان هذا الكتاب شعاع نور يخترق ظلمات كآبتي كل يوم. كل يوم أجلس لقراءة محاضرة واحدة مستمتعاً إلى أقصى حد بعبقرية بورخيس وشاعريته وجماله وشخصيته، لقد أتعبني وراءه بالتخطيط في هذا الكتاب! وكم هو تعبٌ جميلٌ طبعاً! وكعادة كل الكتب العظيمة كنت كل يوم أتحسر على إكمال المحاضرة، وأعد المحاضرات المتبقية بأسى، ولكن أُعزي نفسي بأني ما زالت أمامي عدة كتبٍ لبورخيس لم أقرأها بعد!

إنه كتابٌ عظيمٌ بالفعل، وأظن أنني سأصنفه مرجعاً في النقد والنظريات الأدبية وسأعود له كثيراً (كما هو حالي مع غالبية كتب بورخيس! لا جديد!)، ولكنني لا أريد الحديث عن الكتاب في هذه التدوينة، أريد الحديث عن شيء آخر...

بعد أن أكملتُ الكتاب، وحين كنتُ ما زلتُ مغموراً بنشوة روعته، راودني فضولٌ لمعرفة إذا ما كان بعض الأصدقاء والمعارف في تويتر قد قرأوه وتحدثوا عنه. دخلتُ لأبحث عن الكتاب، وجدتُ بعض التعليقات عنه واكتشفتُ أنه تُرجم للعربية. بحثتُ عن ترجمة الكتاب وحين وجدتها استغربت: الكتاب ترجمه صالح علماني.

لماذا استغربت؟ سؤال منطقي يا عزيزي القارئ؛ ففي النهاية الأستاذ صالح علماني أشهر مترجم عن الإسبانية إلى اللغة العربية واسمه في عالم العربية بشهرة أسماء ماركيز ويوسا! فلماذا أستغرب ترجمته لكتاب مؤلفه أرجنتيني لغته الأم الإسبانية مثل بورخيس؟ حسناً، سبب استغرابي هو أن بورخيس ألقى تلك المحاضرات بالإنجليزية. قد تقول لي أيها القارئ العزيز: لحظة لو سمحت، كيف عرفت ذلك؟ حسناً، عرفته لأنني قرأت الكتاب بالإنجليزية، الكتاب الذي أصدرته جامعة هارفرد التي ألقى فيها بورخيس محاضراته هذه سنة 1967 (سأشير له باسم: كتاب هارفرد). ربما ستسألني: لعله ألقاها بالإسبانية والكتاب مترجم إلى الإنجليزية؟ كلا، بورخيس كان يُتقن الإنجليزية أفضل من أهلها! ولا داعي للمزيد من الجدال هنا، فالمحاضرات بصوت بورخيس نفسه موجودة على الإنترنت! هذا رابط المحاضرات الست كاملة على يوتيوب، ويمكن البحث عن المحاضرات منفصلة فهي موجودة كذلك.

ولكن، عادي، أليس كذلك؟ يمكن للمرء أن يُترجم من أكثر من لغة، خاصةً إن كانت لغة عالمية مشهورة ومتداولة مثل الإنجليزية. ولكنني استغربت، بذرة الفضول زُرعت ولم يكن لي بدٌّ من ملاحقتها أو زراعتها؟ سقايتها؟ مهما كان التشبيه المناسب، المهم أنني لم أرتح وقررت أن أتفحص ترجمة صالح علماني أكثر.

وهنا انهالت علي الصدمات...


2


الترجمة العربية للكتاب بترجمة صالح علماني صدرت عن دار المدى في طبعتين، الأولى سنة 2007 والثانية 2014. الطبعتان متطابقتان حسب مقارنة سريعة بينهما (سأشير للترجمة العربية باسم: ترجمة علماني). ترجمة علماني لا توجد فيها أي معلومات عن مصدر الترجمة. ثمة ملحوظة في صفحة معلومات الكتاب والطبعة تقول إن عنوان الكتاب الأصلي Arte Poetica



بحثتُ عن هذا العنوان وبالفعل وجدتُ كتاباً بنفس الاسم.



ربما ستقفز الآن فرحاً أيها القارئ العزيز وتقول لي: ها، شفت؟ كل كلامك عن أن الكتاب بالإنجليزي كان مجرد هراء وأنت لا تعرف عماذا تتحدث! ولكن أرجو أن تهدئ أعصابك قليلاً، لأن هذا الكتاب الإسباني ما هو إلا ترجمة لكتاب هارفرد!




يمكننا أن نلاحظ اسم كتاب هارفرد (النسخة الإنجليزية الأصلية) وكذلك اسم المترجم الإسباني جوستو نافارو (Justo Navarro). إذن يبدو أن ترجمة علماني منقولة عن الترجمة الإسبانية لكتاب هارفرد (التي سأشير إليها باسم: ترجمة نافارو). ولأنك قارئ ثاقب البصر والبصيرة لا بد أنك لاحظت شيئاً مهماً.

في ترجمة علماني لا نجد أي معلومات عن الكتاب الأصلي سوى عنوان الترجمة الإسبانية Arte Poetica.

أما في ترجمة نافارو فإننا نجد عنوان الكتاب الأصلي بالإنجليزية، وكذلك نجد شيئاً مهماً جداً: الإشارة لكالين أندري ميهايلسكو (Calin-Andrei Mihailescu)، محرر كتاب هارفرد والمُعلق عليه وكاتب التعقيب في نهايته. لماذا أقول إن هذا شيء مهم في ترجمة نافارو؟ حسناً، سأشرح لك.  

أول شيء تجده حين تفتح ترجمة علماني هو المقدمة. سبع صفحات تتحدث عن زيارة بورخيس لهارفرد وتذكر معلومات دقيقة عن بورخيس وحياته وأدبه في ضوء هذه المحاضرات الست. ما الغريب في أن يكون أول شيء في الكتاب مقدمة عن الكاتب والكتاب؟ لا شيء غريب طبعاً، ولكن يجب أن ألفت انتباهك يا عزيزي القارئ إلى حقيقة أن هذه "المقدمة" هي في الواقع "التعقيب" الذي كتبه ميهايلسكو على كتاب هارفرد! ميهايلسكو (تقريباً يُنطق هكذا) أستاذ الأدب الذي أفرغ محاضرات بورخيس نصياً وعدلها ورتبها لنشرها في كتاب هارفرد، وكتب لها هوامش مفيدة ودقيقة وألحقها بالتعقيب المذكور. ترجمة علماني – على عكس ترجمة نافارو- لا تذكر أن المقدمة ألفها ميهايلسكو، تضع نص التعقيب مقدمةً وتحذف العنوان Of This and That Versatile Craft وتحذف كذلك اسم المؤلف ميهايلسكو! وإن كنتَ تتساءل يا عزيزي القارئ لماذا وصفت وجود هذه المقدمة بأنه ليس غريباً، فهذا لأن السرقة شيء عادي وليس غريباً على الإطلاق! وهذه السرقة لا تطال فقط مقدمة، أو بالأحرى تعقيب ميهايلسكو بل تطال كذلك تعليقاته: في كتاب هارفرد توجد تقريباً 20 صفحة من التعليقات على المحاضرات والتي تحتوي على مجهود بحثي عظيم وتشير إلى عشرات المراجع. ترجمة نافارو، كما سبقت الإشارة، تذكر أن ميهايلسكو هو المُحرر (الذي أفرغ المحاضرات نصياً وجهزها للنشر) وأنه المُعلق (الذي بحث وكتب حوالي 20 صفحة من التعليقات) وأنه كذلك كاتب التعقيب (سأشير لكل ذلك بوصف: المحقق). ترجمة علماني لا تذكر شيئاً من مجهودات ميهايلسكو.

أظن أنه من الواضح أنني عند هذه النقطة كنتُ قد تجاوزتُ الاستغراب والفضول ووصلتُ مرحلة الحنق والغضب.

الأمر ليس جديداً، صالح علماني سبق أن ثارت حول ترجماته مشاكل كونها تُنشر بدون حقوق، وحدثت معارك بين دور النشر المختلفة التي تنشر ترجمات علماني، وبدأت دور النشر هذه الأيام تتباهى بأنها تنشر ترجمات بحقوق وتتناسى أنها كانت تنشر بدون حقوق لسنوات. ولكنني أشعر بأن سرقة مجهودات دون الإشارة لها أسوأ من نشر عمل بدون حقوق، ففي النهاية اسم بورخيس موجود على الكتاب، بينما اسم المترجم الإسباني نافارو غير موجود واسم المُحقق ميهايلسكو هو الآخر غير موجود. طبعاً يجدر بي أن أُوضح بأنني لا أعلم إن كانت ترجمة علماني استوفت الإجراءات اللازمة لأخذ حقوق ترجمة نافارو، وربما في حالة هذه الترجمة الوسيطة قد يكون من اللازم أخذ حقوق كتاب هارفرد (بصفته المصدر الأصلي) وحقوق ترجمة نافارو (بصفتها الترجمة المُعتمد عليها) معاً، هذا شيء لا أعرفه، ولكن ما أعرفه هو أن ترجمة علماني سواءً كانت بحقوق أم دون حقوق فهي لم تلتزم بالأمانة الأدبية التي تقتضي حفظ مجهودات وتعب الآخرين ولم تذكر المترجم الإسباني نافارو ولا المحقق ميهايلسكو.


أغضبني الأمر كثيراً، وصدعت صديقين بحديثي المنفلت عن هذه الجناية. الصديق الأول تحملني مشكوراً، أشكره لأنه كان أول من تلقى انفلاتي فتلقاه بكل اندفاعه المحموم! الصديقة الثانية كانت أكثر حظاً فالحوار معها كان أهدأ، النيران خمدت قليلاً! ولكن لأنني مدحتُ كتاب بورخيس كثيراً ولأنها كانت لديها نسخة من ترجمة علماني فقد تحمستْ لقراءتها، لكنني قلتُ لها بأن تتريث قليلاً لأن حسب اطلاعي البسيط على الترجمة لم تعجبني، وقررتُ أن أجلس لمراجعة المحاضرة الأولى ومقارنة ترجمة علماني بكتاب هارفرد.


3

جلستُ بدلوٍ من القهوة، وأمضيت ساعةً ونصف أراجع المحاضرة الأولى بين الكتابين... المحاضرة الأولى في ترجمة علماني تمتد لحوالي 20 صفحة (صفحة واحدة أكثر من الإنجليزية، ولكن هذا ليس شيئاً مهماً، اختلاف خط وطباعة وإلخ).

راجعتُ هذه الصفحات العشرين (بدون مراجعة ترجمة القصائد والاقتباسات التي يذكرها بورخيس) ووجدتُ ما يلي:

56 تغييراً في الصياغة.
40 خطأً في الترجمة.

20 صفحة فقط! وفيهن 40 خطأ و56 تغيير! فكم تغييراً سأجد وكم خطأً سيرفع ضغطي ويجعلني أحوقل إن راجعت ترجمة علماني كاملة بصفحاتها التي تتجاوز 160 بقليل! ولكي لا أُتهم بأنني أتبلى على أحد فسوف أشرح قصدي بالتغيير والخطأ وسوف أورد أمثلة.

التغيير في الصياغة أعني به شيئين:

الشيء الأول الذي أقصده هو تعديلات مثل استبدال مصطلحات أو تعبيرات أو تشبيهات، كأن يستبدل قول بورخيس "تتوقعون" بقول "تنتظرون" أو قوله "أحذركم" بقول "أنبهكم". هذه ليست أخطاءً، لكن لعله لم يكن ثمة داعٍ لتغييرها، فلو ترجمت ترجمة حرفية لم يكن المعنى سيضيع وكان سيبقى أسلوب بورخيس حاضراً، ولذلك سجلت هذه التغييرات.

الشيء الثاني الذي أقصده، والأهم تحت بند "التغيير"، هو أخطاء صريحة. وسأعطي أمثلة كثيرة عليها لكي أوضح لماذا هي أخطاء صريحة ولكي أوضح كذلك سبب إدراجي لها تحت بند "التغيير".

مثلاً حين يقول بورخيس إن قصيدةً ما تجعلنا نتذكر شيئاً قد نجدها مترجمة "لنتذكر" وكأنها دعوة للتذكر وليست استحضاراً فرضه السياق، أو قد يقول بورخيس "دعونا نفكر في..." فنجدها مترجمة "حين أفكر في..."، أو حين يقول مفسراً لكلمةٍ ما بأنها "كان المقصود منها..." فنجد ترجمتها "كانت تُعد..."، أو حين يقول بورخيس عن كاتب أنه "كان يقصد..." فتُترجم "ربما كان يسعى..."، أو حين يكتب بورخيس عن قصيدة أن الرجل ينحني فوق "الابن" فنجدها مترجمة "الطفل"، أو حين يقول بورخيس متحسراً "كم هو مؤسف أنني لا أستطيع شراء هذا الكتاب" فنقرأها مترجمة "ياللأسف، أنا لا أستطيع شراء هذا الكتاب"، أو حين تتصرف الترجمة في بعض الكلمات وتغيرها فتترجم محل كتب إلى "مكتبة"، وتترجم قصيدة إلى "شعر"، وإلى آخر ذلك.

هذه النماذج فيها ما يمكن عده أخطاء وما يمكن عده تصرّف مسموح، وهي في االنهاية لا تنسف المعنى كلياً، أعني أنك حين تقرأ الفقرة كاملة ستصل إليك الفكرة التي يريد بورخيس قولها، وإن كانت هناك أخطاء في عرض هذه الفكرة. ومع أن بورخيس في الأغلب سيزعل مني إن عرف أنني أتهاون مع هذه الأخطاء لأن المعنى ما زال موجوداً، فهو أمضى نصف هذه المحاضرات يقول إن الأولوية للجمال والإحساس وليست للمعنى، إلا أنني سألتزم بتهاوني مع هذه الأخطاء حالياً، وسأعود لاحقاً إلى الحديث عن ترجمة بورخيس بصفة عامة.

وننتقل الآن إلى ما أعده أخطاءً لا يمكن التهاون معها...


4

دعونا نبدأ بشويش...

يقول بورخيس: "أنا أقترب من السبعين".

نقرأها في ترجمة علماني: "لي من العمر حوالي سبعين سنة".

ماذا نلاحظ هنا؟ خطأ بسيط، أليس كذلك؟ بل قد لا يكون خطأً أصلاً، صحيح؟ كلا. خطأ أراه فادحاً. أول شيء سنلاحظه أنه لم يكن هناك أي داعٍ لتغيير الكلام، الكلام واضح. بورخيس يتحدث عن حياته، فحين يقول "أنا أقترب من السبعين" لن نتوهم بأنه يقترب من أي شيء آخر باستثناء العمر! وفوق ذلك، فإن قول "لي من العمر حوالي سبعين سنة" يجعل بورخيس يبدو وكأنه لا يعرف كم عمره! هل هناك شخص يقول عمري تقريباً كذا؟! اسمي تقريباً فلان؟! لا يوجد! وما يجعل الأمر أسوأ وأسوأ أن بورخيس يذكر لاحقاً في نفس المحاضرة أن عمره 67 سنة (أثناء إلقاء المحاضرة)، ولكن المترجم لم يعتبر أن ذلك قد يقتضي مراجعة عبارة "حوالي سبعين". إنها ترجمة عجيبة، تتجاهل أسلوب بورخيس وقصده وواقع حياته. وسأعود فيما بعد لملاحظة أن بورخيس يذكر المعلومة لاحقاً!

دعونا نأخذ أمثلة أكثر وضوحاً.

يقتبس بورخيس قولاً لفيلسوف عن أن مذاق التفاحة ليس فيها وليس في فم من يأكلها ولكنه في التفاعل بين الاثنين، وحين يذكر بورخيس أن مذاق التفاحة ليس فيها يقول معلقاً: "التفاحة لا تستطيع تذوق نفسها".

فنجدها في الترجمة: "فالتفاحة بذاتها لا طعم لها".

لا أعلم من أين جاءت هذه الترجمة؟! أهي محاولة لتفسير الملاحظة الفلسفية؟ جملة بورخيس هذه يحتمل أن تكون ساخرة، ولكن القصد منها - في كلّ الأحوال - واضح: الطعم أو المذاق نتاج التفاعل، فلا يمكن أن نقول إنها لا طعم لها. يبدأ بورخيس كلامه هذا بالحديث عن هذه المثال الفلسفي ليقول إن الكتاب لوحده مجرد رموز وأنه يحتاج لقارئ (لذاك التفاعل) لتُبعث الرموز/الكلمات إلى الحياة. فهي ترجمة أخرى لا تنتبه للسياق.

وفي مثال آخر يقول بورخيس عن وصف إغريقي قديم إنه كان "معتاداً" فنجد ذلك يترجم بكلمة "مبتذلاً". قد تكون الكلمتان متشابهتين من حيث "كثرة الاستخدام"، ولكن الإحساس الذي تعطيه لك كلمة "معتاد" إحساس محايد بكثرة الاستخدام، أما الإحساس الذي تعطيه لك كلمة "ابتذال" فهو إحساس ناقد ونافر من كثرة الاستخدام، وهو ما لم يكن يقصده بورخيس، فهو كان يتحدث عن وصف استخدمه الإغريق قديماً وأنه كان عادياً في زمانهم، ولكن اليوم حين نستخدمه نحن فلا يكون عادياً بل يكون غريباً ويكون استحضاراً لهوميروس والإغريق.

مثال آخر أفدح يضيع فيه المعنى:

يتحدث بورخيس عن أن الناس قديماً كانوا يقولون إن الإلهام يأتيهم من الروح القدس أو من المُلهمات (مثلما نقول في العربية: شياطين الشعر أو ربة الشعر) وأن هذه الميثولوجيا القديمة تحل محلها اليوم ميثولوجيا جديدة تتحدث عن النفس اللاواعية والعقل الباطن. يختم بورخيس كلامه عن الإلهام قائلاً إنه لا فرق مهم بين هذه الميثولوجيا وتلك: "فهذه الكلمات تعني جوهرياً الشيء نفسه". فنجدها في الترجمة: "ولكن كل الكلمات تعني جوهرياً الشيء نفسه"! ضاع المعنى! بورخيس لا يتحدث عن "كل الكلمات" إنه يتحدث عن التقابل أو التشابه في فكرة الإلهام بين شيطان الشعر والعقل الباطن!

فلنأخذ مثالاً خفيفاً لا يحتاج لشرح:

يقول بورخيس: "فلنفترض، على سبيل الجدل..."

فنقرأها: "فلنفترض، من أجل مواصلة التأمل المنطقي..."

لا أحتاج للتعليق هنا!


5

والأخطاء تتجاوز هذه الهفوات الصغيرة (إن جاز لنا وصفها بأنها هفوات، أو حتى بأنها أخطاء وليس خطايا أو جنايات!)؛ فهناك أخطاء تثير تساؤلاً خطيراً جداً...

مثلاً يقول بورخيس وهو يتحدث عن الكتابة والإلهام: "كثيراً ما أجد أنني فقط أقتبس شيئاً قرأته منذ زمن، وحينها يصير ذلك إعادة اكتشاف".

فنقرأها: "كثيراً ما أكتشف أنني إنما أستشهد بأحد ما، قرأته قبل زمن، وعندئذ تتحول القراءة إلى إعادة اكتشاف".

المعنى ضاع كلياً! بورخيس لا يتحدث عن "الاستشهاد" إنه يتحدث عن "الاقتباس" وهو دقيق في اختيار الكلمة، لأن استشهاد في العادة فيها إشارة للمصدر بينما اقتباس تُركز على النص وقد لا تذكر المصدر، وهذا اختيار دقيق للكلمات لأن بورخيس يتحدث عن نفسه وكيف أنه أحياناً حين يكتب يكتشف أنه كتب كلاماً لكاتب آخر قرأه منذ زمن، وهذا ما يقصده بإعادة الاكتشاف، ولا أعلم من أين جاءت كلمة القراءة أو حتى تفسير القراءة!

وأظن أنني لن أتجاوز حدودي مطلقاً إن تساءلتُ عن مدى فهم المترجم للنص الذي يترجمه! التساؤل قد لا يتجاوز الحدود، ولكن الإجابة التي عندي ستتجاوزه ولذلك سأصمت!

وإن كان لديكم شك في الإجابة، فسأعطي مثالاً آخراً، لأنني شخصياً ليس لدي شك في الإجابة...

يذكر بورخيس في المحاضرة قصيدةً بالإنجليزية القديمة لشاعر ساكسوني، ثم يبدأ بمناقشة تفاصيلها قائلاً:

This takes us back to what I said about Homer: when the poet wrote these lines, he was merely recording things that had happened. This was of course very strange in the ninth century, when people thought in terms of mythology, allegorical images, and so on. He was merely telling very commonplace things.

هذه ترجمتي (الحرفية إلى حد ما):

هذا يعود بنا إلى ما قُلتُه عن هوميروس: حين كتب الشاعر هذه الأبيات، كان فقط يُسجل أشياءً حدثت. هذا كان بالطبع غريباً جداً في القرن التاسع، حين كان الناس يفكرون عبر الميثولوجيا، والصور الرمزية، وما نحو ذلك. كان هو فقط يروي أشياء عادية جداً.

وهذه نفس الفقرة من ترجمة علماني التي تكاد تصرخ بإجابة تساؤلي السابق:

هذا يحيلنا إلى ما قلته عن هوميروس: عندما يكتب الشاعر هذه الأبيات، يخلّف فقط برهاناً عن شيء قد حدث. ولا شك أن ما كان مستغرباً جداً في القرن التاسع، عندما كان الناس يفكرن ضمن حدود الميثولوجيا، هو الصورة الرمزية (الأليغورية) وأشياء من هذا القبيل. لقد كان هوميروس يروي أشياء طبيعية بالمطلق فقط.

يخلط المترجم بين الشاعر الساكسوني وهوميروس! كان بورخيس يتحدث عن الشاعر الساكسوني وكان فقط يُذكِّر الحضور بما قاله سابقاً عن هوميروس. كما أن المترجم يعكس تماماً معنى الفقرة! بورخيس يقول إن بساطة تلك الأبيات بحديثها عن أشياء عادية كانت شيئاً مستغرباً في القرن التاسع المعتاد على الحديث بالأساطير والرموز، المترجم يعكس ذلك ويجعل المستغرب هو الصور الرمزية!

إن هذا الأمر لا يطرح فقط تساؤلاً عن مدى فهم المترجم للنص الذي يترجمه، ولكنه يطرح كذلك تساؤلاً عن تركيز المترجم في النص ومراجعته له! فهو يخلط هنا مثلاً بين هوميروس والشاعر الساكسوني، ولكن بعد ذلك يترجم بقية كلام بورخيس ترجمة سليمة بحيث يكون موضوع الحديث هو الشاعر الساكسوني. وقد أشرتُ سابقاً إلى ملحوظة عمر بورخيس، ففي صفحة نقرأ في الترجمة "حوالي سبعين" ثم لاحقاً نقرأ أن عمر بورخيس 67 بدون أن يخطر ببال المترجم أن يعود لمراجعة الفقرة السابقة قبل ذلك ببضعة صفحات ويصحح كلمة "حوالي" ويضع السليمة "أقتربُ من"! هذا الإهمال لا يظهر فقط في صفحات متباعدة (وهذا في حد ذاته ليس شيئاً مقبولاً أصلاً! هذه ليست ترجمة فورية لخطاب في الأمم المتحدة على التلفزيون لا تستطيع العودة فيها لمراجعة ترجمتك!) بل إن هذا الإهمال يمكنه أن يقع في نفس الصفحة وفي نفس الفقرة، كما هو مثال هوميروس والشاعر السكسوني والتفاحة ومذاقها ومقارنتها بتفاعل القارئ والكتاب. وكأن المترجم لم يتساءل لماذا اختلف الكلام فجأة في نفس الصفحة!

أخطاء كثيرة في الترجمة، المعنى يضيع وكلام بورخيس ينقلب على رأسه! فلا أعلم كيف تمكن قراءة هذا الكتاب!

ويجدر بي هنا أن أورد ملاحظة مهمة.

قد تكون لاحظت يا عزيزي القارئ أنني في الفقرات السابقة كنت أقول فقط "المترجم" أو "الترجمة" ولا أذكر صالح علماني (لا تنسى أن "ترجمة علماني" وصف للكتاب). السبب في ذلك هو أنني لا أظن أن صالح علماني مسؤول عن كل الأخطاء التي عددتها. فقد حاولت مقارنة ترجمة علماني بترجمة نافارو (بالاستعانة بشخص يتحدث الإسبانية وبالاستعانة بغوغل)، ووجدتُ أن بعض هذه الأخطاء موجود في ترجمة نافارو نفسها (مثلاً، كلمة "تتوقعون" وترجمتها "تنتظرون"، وكذلك فقرة الخلط بين هوميروس والشاعر الساكسوني، ولكنه هنا أظن أن نافارو خلط بين الشاعرين، بينما صالح علماني عكس معنى الفقرة المتعلق في كون الصور الرمزية معتادة في القرن التاسع). ولذلك فإن مراجعتي هذه هي مراجعة لنص الترجمة العربية وحدها، دون تحديد من المسؤول بالضبط عن هذا الخطأ أو ذاك. ولكن يجب أن لا يُفهم من حذري هذا أن نافارو يتحمل مسؤولية كل الأخطاء، فكما ذكرت صالح علماني لديه أخطاء كذلك في نقله عن الإسبانية، وأخطاء فادحة في بعض الأحيان، وسأعطي مثالاً على خطأ خاص بصالح علماني وسأختم به هذه الأمثلة؛ فهو مثال كبير وصادم.

المثال سنجده في الاقتباس التالي المأخوذ من وسط الفقرة الأخيرة في محاضرة بورخيس، هي المحاضرة الأولى من بين المحاضرات الست ولذلك نجد بورخيس يسرد مواضيع المحاضرات القادمة.

كلام بورخيس كما ورد في كتاب هارفرد بأصله الإنجليزي:

I will speak about the metaphor, about word-music, about the possibility or impossibility of verse translation, and about the telling of a tale – that is to say, about epic poetry, the oldest and perhaps the bravest kind of poetry.

ترجمتي:

سأتحدث عن الاستعارة، عن موسيقى الكلمات، عن إمكانية أو استحالة ترجمة الشعر، وعن رواية حكاية – أي عن الشعر الملحمي، أقدم وربما أشجع أنواع الشعر.

ترجمة نافارو (لا أعرف كيف تُكتب الحروف الإسبانية، لذلك سيكون نقلي بدون "التشكيل" وفي الأغلب بأخطاء!):

Hablare sobre la metafora, sobre la musica de las palabras, sobre la posibilidad o imposibilidad de la tradccion poetica, sobre el arte de contat historias, es decir, sobre la poesia epica, la mas Antigua y quiza el mas esforzado tipo do poesia.

ترجمة علماني:

سأتحدث عن الترجمة الشعرية، وعن فن رواية القصص، أي عن الشعر الملحمي، سأقدم أنماط الشعر، وربما أكثرها حاجة للجهد.

دعونا نأخذ المقارنة خطوة خطوة في جدول! نعم، تخيلوا أني سأضع جدولاً الآن! لا حول ولا قوة إلا بالله... المهم...

ترجمتي لكلام بورخيس
ترجمة علماني العربية
مقارنة ترجمة علماني بكلام ببورخيس
مقارنة ترجمة علماني بترجمة نافارو
سأتحدث
سأتحدث
سليمة
سليمة
عن الاستعارة
؟
حذف
حذف – نافارو يذكرها
عن موسيقى الكلمات
؟
حذف
حذف – نافارو يذكرها
عن إمكانية أو استحالة
؟
حذف
حذف – نافارو يذكرها
ترجمة الشعر
الترجمة الشعرية
مقبولة
مقبولة
عن رواية حكاية
عن فن رواية القصص
مقبولة - "فن" كلمة زائدة على بورخيس
سليمة - "فن" موجودة عند نافارو
أي عن الشعر الملحمي
أي عن الشعر الملحمي
سليمة
سليمة
أقدم... أنواع الشعر
سأقدم أنماط الشعر
سليمة – بافتراض أن حرف السين في "سأقدم" مجرد خطأ طباعي، وهو يبدو كذلك
سليمة
وربما أشجعها
وربما أكثرها حاجة للجهد
خطأ – وحتى معنوياً لا تستقيم.
خطأ – نافارو ترجمها كذلك "أشجع".

ثلث الاقتباس غير موجود! وتقريباً نصف الباقي غير سليم! ولا أعلم بصراحة ماذا أقول هنا... تبدو ترجمة نافارو مليئة بالأخطاء التي تغير كلام بورخيس ومقاصده، وعوضاً عن أن تترجم محاضرات بورخيس من لغته الأصلية الإنجليزية (العالمية التي يقتنها كثيرون) يلجأ المترجم أو دار النشر إلى ترجمة ترجمة سيئة! وفوق أخطاء نافارو تتراكم كذلك أخطاء صالح علماني، وفوق كل ذلك تتراكم أيضاً جناية عدم ذكر المترجم الإسباني ودون ذكر المصدر الأصلي الإنجليزي ولا مجهودات محقق النسخة الأصلية.


6

في الكتاب، أو في المحاضرات، يُشكِّك بورخيس في مقولة إن كل ترجمة خيانة، فهو يبحث عن الجمال حيثما كان ولا يستبعد أن تكون الترجمة أجمل من الأصل أو يكون الأصل جميلاً والترجمة جميلة كذلك. ولكن أظن أنه إن اطلع على ترجمة نافارو وترجمة علماني فلن يتردد في وصفهما بأنهما خيانة، بل ربما مثل هذه الترجمات هي التي يحق عليها فعلاً قول الترجمة خيانة!


شكل بورخيس وهو يقول للمترجمين الخونة: ليه كده بس!

وهذه الخيانات تغضبني... آه، كم تغضبني! خاصةً حين تمس كاتباً أو كاتبة أحبهم (مثل بورخيس). أشعر وكأن الأمر هجوم شخصي علي! وكأن شخصاً ما يأخذ قلماً ويرسم شنباً وسناً مكسورة على صورة حبيبتي! ليست لدي حبيبة يعني، لكن لو كان لدي فأتوقع أن هذا شعور مشابه لما يفعله بعض المترجمين بالكتاب الذين نحبهم!

والمشكلة هنا ليست في السرقة أو التضليل، سوءاً سرقة مجهودات المترجم نافارو أو المحقق ميهايلسكو أو التعدي على حقوق بورخيس أو هارفرد وتضليل القارئ العربي الذي قد يتوهم بأن النص مترجم مباشرةً عن الإسبانية، هذه ليست مشكلتي الكبرى هنا، فصالح علماني نفسه له تاريخ طويل في نشر ترجمات بدون حقوق، وكذلك التضليل ليس غريباً على عالم الترجمة العربية، فإن كانت ترجمة علماني لم تذكر المصدر الإنجليزي الأصلي وحاولت التمويه بذكر عنوان الترجمة الإسبانية دون ذكر المترجم، فهناك ترجمات عربية تزعم بشكل مباشر بأنها عن لغة معينة ولكنها ليست كذلك، ويحضرني هنا مثال ترجمة رواية موت إيفان إيليتش الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافية (وزارة الثقافة المصرية) بترجمة مها جمال، وهي ترجمة زعموا فيها أنها عن الروسية وقالوا فيها إنها "ترجمة دقيقة وكاملة" لرواية موت إيفان إيليتش ووضعوا العنوان بالروسية، ليتضح لي بعد ذلك أنها ترجمة حرفية وسيئة عن الترجمة الإنجليزية للويس وإيلمر مود (Louise & Aylmer Maude)! وبصراحة الأمر ليس صعباً على الإطلاق، أعني النزاهة والأمانة الأدبية، ولأنني ذكرتُ مثالاً سلبياً فيسعدني أن أذكر مثالاً إيجابياً للمقارنة وهو ترجمة محمد الخزاعي لقصتي الأنف والمعطف لغوغول، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (2013)، والتي يُذكر فيها بكل بساطة في بداية الكتاب بأنها ترجمة منقولة عن الترجمة الإنجليزية الفلانية الصادرة عن دار كذا بتاريخ كذا وأن الهوامش تعود للمترجم الأصلي الإنجليزي. شفتوا؟ موضوع سهل جداً، أقسم بالله!

يعني، لا أعرف ماذا أقول عن غلاف طبعة 2007 المطابق لغلاف كتاب هارفرد، الأمر الذي يبدو أنه يؤكد معرفة الجميع بكل تفاصيل الكتاب التي لم تُذكر!


هذه السرقة والتضليل ليست أشياءً مستغربة في عالم الترجمة العربية للأسف...

لكن الشيء المستغرب، بل العجيب عجباً عُجاباً، هو أن يجلس مترجمٌ ما لترجمة محاضرات بورخيس هذه، المحاضرات التي يتحدث فيها عن جمال وأعماق الكلمات ويُحلل فيها الكلمات ويرجع لأصولها الجرمانية واليونانية ويذكر أمثلة عليها من لغات أخرى، ثم يغير سيادة المترجم كلمات بورخيس ويخطئ في ترجمتها ويحذف بعضها! العجيب أن يجلس مترجم لترجمة محاضرات بورخيس، التي يتحدث فيها عن الترجمة المعنوية والحرفية ويوضح بعض الأخطاء وبعض الجماليات، ثم يتجاهل كل ذلك ويُغير على مزاجه بلا داعٍ وبلا اكتراث للجمال وأحياناً لا يفهم أصلاً معنى الكلام الذي يترجمه! العجب العجاب أن يجلس مترجم ما ليترجم لبورخيس دون أن يحب بورخيس ويحب كل كلمة يقولها ويعاملها بحرص شديد، بنفس الحرص الذي اختارها به بورخيس هذا العظيم المبدع. العجب العجيب العجاب الأشد عجباً أن يجلس مترجمٌ ما ليترجم لبورخيس، وينسى إبداع بورخيس الأبدي وينسى عشقه للجمال وينسى هوسه باللغة والشعر والفلسفة، ويترجم بلا أي احترام، فيغير هنا ويحذف هناك ويخطئ الفهم ولا يراجع ولا يحرص حتى على تناسق ترجمته، إلى حد أن المرء يشعر أنها ترجمة "بلا نية" وكأن المترجم مغصوب عليها أو يفعلها لقتل الوقت وهو يقف في طابور المصرف بانتظار صرف مرتب الترجمة السابقة!

وهذه إحدى أبرز مشاكلي مع بعض الترجمات الأدبية، وخاصةً ترجمة أعمال أشخاص مثل بورخيس كل كلمة عندهم بحسابها. رأينا الفرق بين استخدام بورخيس لكلمة "اقتباس" quoting وترجمتها "استشهاد" والفرق بين استخدامه لكلمة "معتادة" أو "عادية" commonplace وترجمتها "ابتذال". إضافةً إلى أخطاء بل فضائح سوء الفهم التي ذكرتُ بعضها. فكيف يمكن للمرء أن يقرأ هذه الترجمات؟ نتساهل أحياناً مع ضياع الأسلوب والجمال، لزوم الترجمة وإن كان يمكن بذل الجهد لمحاولة الحفاظ على أكبر قدر ممكن من أسلوب وجماليات الأصل، ولكن كيف نتساهل مع ضياع المعاني والقصد؟! بماذا سيفكر الشخص الذي يقرأ الترجمة ويظن أن بورخيس اللغوي الفصيح البليغ والذي أشبع الفلسفة دراسةً يقول "التفاحة بذاتها لا طعم فيها"؟! هل سيقول إن بورخيس فقد قدراته العقلية أم سيقول إنه ربما مجرد شاعر يتفلسف؟! ماذا سيقول حين يقرأ الترجمة ويظن أن بورخيس الذي ألقى ست محاضرات من الذاكرة أخطأ وخلط في كلامه في نفس الفقرة وخلط بين هوميروس وشاعر ساكسوني وناقض نفسه ولخبط كل شيء؟!

نفس عميق...

هل الترجمة كلها مأساوية؟ لا بالطبع، هناك مقاطع كثيرة مترجمة ترجمةً سليمة، ولكن بصراحة وبدون مجاملة هناك أخطاء أكثر مما يجب، أخطاء كما أشرت تمس بجوهر ما يتكلم عنه بورخيس، وأنا شخصياً لن أرضى بأن أقرأ كتاباً فيه هذه النسبة من الأخطاء! 40 خطأ في 20 صفحة! لو افترضنا أن كل صفحة من صفحات الكتاب فيها خطأين على الأقل فهذا يعني أنك على مدى 160 صفحة ستجد 320 خطأ!

بصراحة، لا يهمني في هذا المقام وفي حضرة بورخيس إن كان المترجم مترجماً كبيراً وشهيراً مثل صالح علماني أو ربما مترجماً إسبانياً لا أعرفه مثل جوستو نافارو أو حتى شخصاً عادياً يترجم على سبيل الهواية، لأنني سأقول للمترجم كان من كان: إن لم يكن لديك إحساس، إن لم تستطع أن تستشعر حساسية بورخيس اللغوية والأدبية، أو ربما إن لم تفكر في ذلك أصلاً أو كنت تترجم بسرعة لحفظ مكانتك بين المترجمين أو لكسب بعض المال، إن لم تكن ستتعب وتراجع وتفكر في الكلمة عشر مرات وتعود لها بعد أشهر وتغيرها من جديد بترجمة أفضل، إن كنت ستترك ترجمتك التعيسة تعاد طباعتها  كما هي بعد سنين وسنين دون أي ذرة مراجعة، إن لم تكن ستحب الكلمات كما أحبها مؤلفها أو مؤلفتها وتحاول أن تنقل جمالها في ترجمتك، وإن لم تحترم هذا المؤلف أو تلك المؤلفة وتحترم عبقريتهما وإبداعهما فأرجوك ضع القلم أو الكمبيوتر أو مهما كان وأرحنا وارتح وفوق كل شيء أرح المؤلفين والمؤلفات منك ومن خيانتك.


2 يوليو 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق