الأربعاء، 31 يوليو 2019

ثلاث دقائق مع جوردان بيترسون


في الأيام الماضية كالعادة وجدتُ نفسي في نقاشٍ ندمت عليه وإلخ. مواقع التواصل الاجتماعي يا رجل أو يا امرأة، مشكلة والله. المهم، النقاش كان يدور حول السيد جوردان بيترسون. دكتور علم النفس، المفكر، الفيلسوف، المؤلف، المحاضر، المؤثر، الجهبذ، العبقري، الشهبندر، الفرزدق، الكل شيء. ولأني أحب الصداع، لكن لا أحبه كثيراً، قررت أن أجلس مع جوردان بيترسون لمدة ثلاث دقائق فقط. ليس حرفياً طبعاً، ولكن أن أُحلل له مقطعاً مدته ثلاث دقائق.




ترجمتي للكلام في المقطع:

"قرأتُ اقتباساً مرةً، لا أذكر من القائل. ربما كان روبرت هينلاند بحق السماء، مؤلف خيال علمي، ذلك يخطر ببالي، لكن في الأغلب لم يكن هو. الفرضية تقول أن الرجال اختبروا الأفكار وأن النساء اختبرن الرجال. يعجبني ذلك إلى حدٍّ ما. [الفرضية] فيها شيءٌ ما، أتعلمون. بالطبع هذا تعميم مبالغٌ فيه، ولكننا أيضاً لا نعلم إلى أي مدى اختبرت النساء الرجال عن طريق الاستفزاز المحض، يحدث ذلك كثيراً! لأنك إذا كنت تريد أن تختبر شخصاً ما، فأنت لن تخوض معه حواراً صغيراً، أنت سوف توكزه بشدة! سوف تقول، أوكي أنا سوف أهاجمك وأرى أين نقاط ضعفك. ويبدو لي، في وسط هذا الاحتجاج الدائم واستغلال العار [ربما يقصد التشهير أو إثارة الخجل]، وكل ذلك مما يرافق هذا النوع من الحراك الراديكالي تجاه المساواة، بأن هناك كميةٌ ضخمة من الاستفزاز. يا إلهي سوف أقول أيضاً، رغم أنني لا يجدر بي ذلك، ولكن، أنا لا أؤمن بذلك ولكني أحاول فهمه. لقد شعرتُ أنه كان مضحكاً تماماً عند صدور [رواية] 50 درجة [من الرمادي]، شعرت أنه مضحكٌ لدرجة مجنونة أنه في نفس الوقت الذي تعلو فيه مطالب سياسية هائلة بالمساواة الراديكالية، وفيما يخص السلوكيات الجنسية، أن تكون الرواية الأسرع مبيعاً التي رآها العالم يوماً هي عن السادومازوخية والخضوع [في الجنس]، لقد كان الأمر مثل: أوه واو، حسناً، نحن نعلم أين يذهب اللاوعي بهذا أليس كذلك! وأحياناً أفكر، لأن أحد الأشياء التي أحاول فك غموضها، الأمر ليس كأنني أؤمن بذلك، أنا فقط أقول لكم إلى أين وصلت حدود تفكيري، هو أنه لدينا هذا التحالف المجنون بين النسويات والإسلاميين المتطرفين، الذي لا أفهمه. أعني أن عدم تظاهر النسويات بشكل لا ينقطع حول السعودية هو شيء يتجاوزني، لا أستطيع فهمه مطلقاً. وأتساءل أيضاً، أتساءل، كما هو الحال، وهذا الفرويدي في داخلي، هل هناك انجذاب أتعلمون، هل هناك انجذاب ينشأ بين أولئك الإناث الراديكاليات تجاه تلك الهيمنة الذكورية الشمولية التي نجحن في طردها من الغرب. هذا شيء عجيبٌ التفكير فيه، ولكنني في نهاية المطاف لدي عقلية تحليل نفسي، وأفكر بالفعل في أشياء مثل هذه، لأنني لا أستطيع أن أرى أي سبب عقلاني لذلك، السبب العقلاني الوحيد لذلك قد يكون أن الغرب يجب أن يسقط وبالتالي فإن عدو عدوي هو... [مداخلة من محاورته: صديقي]، بالضبط، آه، أظن أنني أخطأت في ذلك [يقصد عبارة "عدو عدوي صديقي"] [محاورته: عدو عدوي صديقي] نعم بالضبط [محاورته: ولهذا فإن الإسلاميين يميلون للتصويت لليبراليين أيضاً]، نعم كذلك، ذلك قد يكون الحال. ولكنني لن أتخلص من توجسي تجاه هذا التوازن اللاواعي لأنه بينما تتزايد هذه المطالبة بالمساواة وبالقضاء على الذكورية سيتكون هناك شوق في اللاوعي للنقيض التام لذلك. كلما صرخت أكثر مطالباً بالمساواة كلما ازداد إعجاب لاوعيك بالهيمنة."

حسناً، هذه كلام جوردان بيترسون. حاولت نقل المعنى بأكبر قدر ممكن من الأمانة ومن الوضوح في الترجمة، وعلى كل حال رابط الفيديو موجود في الأعلى لمن يرغب في التأكد من صحة الترجمة، مع ملاحظة أني تفاديت في الترجمة بعض الأمور العادية التي تظهر عند الكلام، مثل تكرار كلمة بسبب لعثمة أو نطق غير سليم، أو مثل كلمة like التي تعتبر من الكلمات الزائدة في الكلام (حذفتها فقط حين كانت زائدة). باستثناء ذلك أظنني نقلت كلامه ومعانيه بأفضل ما في استطاعتي. والآن، أريد الجلوس قليلاً ومحاولة تحليل هذا الكلام... بسم الله نبدأ.

الخميس، 4 يوليو 2019

كتاب صنعة الشعر لبورخيس: الخيانة الأدبية والترجمة المأساوية



1

كنتُ أُقلِّب كتب الشعر عندي لاختار ديواناً جديداً أقرأه. في مثل هذه الكآبة ومع كل القلق والهواجس قد تستعصي علي القراءة أحياناً، ولكن كتب الشعر خفيفة ومليئة بالعاطفة، وأنا أحتاج الآن للخِفة والعاطفة. وجدتُ كتاب This Craft of Verse للأرجنتيني العظيم بورخيس (أقول "الأرجنتيني" لأنني بصراحة لا أعرف وصفاً أدبياً يوفيه حقه! أشعر بأن كاتب وشاعر لا تعبران عن سحره). طالما أقرأ الكثير من الشعر في هذه الفترة فلعل قراءة كتاب عن الشعر ستكون مفيدة، لعل هذا الكتاب سيساعدني على فهم الشعر والإحساس به أكثر، كما أن بورخيس هو أحد كُتابي المفضلين جداً والذين أستطيع أن أقرأ لهم في أي وقت وفي أي مزاج.



بدأتُ قراءة الكتاب. هو عبارة عن ست محاضرات ألقاها بورخيس عن مواضيع متعلقة بالشعر (والأدب بصفة عامة). لقد كان هذا الكتاب شعاع نور يخترق ظلمات كآبتي كل يوم. كل يوم أجلس لقراءة محاضرة واحدة مستمتعاً إلى أقصى حد بعبقرية بورخيس وشاعريته وجماله وشخصيته، لقد أتعبني وراءه بالتخطيط في هذا الكتاب! وكم هو تعبٌ جميلٌ طبعاً! وكعادة كل الكتب العظيمة كنت كل يوم أتحسر على إكمال المحاضرة، وأعد المحاضرات المتبقية بأسى، ولكن أُعزي نفسي بأني ما زالت أمامي عدة كتبٍ لبورخيس لم أقرأها بعد!

إنه كتابٌ عظيمٌ بالفعل، وأظن أنني سأصنفه مرجعاً في النقد والنظريات الأدبية وسأعود له كثيراً (كما هو حالي مع غالبية كتب بورخيس! لا جديد!)، ولكنني لا أريد الحديث عن الكتاب في هذه التدوينة، أريد الحديث عن شيء آخر...

بعد أن أكملتُ الكتاب، وحين كنتُ ما زلتُ مغموراً بنشوة روعته، راودني فضولٌ لمعرفة إذا ما كان بعض الأصدقاء والمعارف في تويتر قد قرأوه وتحدثوا عنه. دخلتُ لأبحث عن الكتاب، وجدتُ بعض التعليقات عنه واكتشفتُ أنه تُرجم للعربية. بحثتُ عن ترجمة الكتاب وحين وجدتها استغربت: الكتاب ترجمه صالح علماني.

لماذا استغربت؟ سؤال منطقي يا عزيزي القارئ؛ ففي النهاية الأستاذ صالح علماني أشهر مترجم عن الإسبانية إلى اللغة العربية واسمه في عالم العربية بشهرة أسماء ماركيز ويوسا! فلماذا أستغرب ترجمته لكتاب مؤلفه أرجنتيني لغته الأم الإسبانية مثل بورخيس؟ حسناً، سبب استغرابي هو أن بورخيس ألقى تلك المحاضرات بالإنجليزية. قد تقول لي أيها القارئ العزيز: لحظة لو سمحت، كيف عرفت ذلك؟ حسناً، عرفته لأنني قرأت الكتاب بالإنجليزية، الكتاب الذي أصدرته جامعة هارفرد التي ألقى فيها بورخيس محاضراته هذه سنة 1967 (سأشير له باسم: كتاب هارفرد). ربما ستسألني: لعله ألقاها بالإسبانية والكتاب مترجم إلى الإنجليزية؟ كلا، بورخيس كان يُتقن الإنجليزية أفضل من أهلها! ولا داعي للمزيد من الجدال هنا، فالمحاضرات بصوت بورخيس نفسه موجودة على الإنترنت! هذا رابط المحاضرات الست كاملة على يوتيوب، ويمكن البحث عن المحاضرات منفصلة فهي موجودة كذلك.

ولكن، عادي، أليس كذلك؟ يمكن للمرء أن يُترجم من أكثر من لغة، خاصةً إن كانت لغة عالمية مشهورة ومتداولة مثل الإنجليزية. ولكنني استغربت، بذرة الفضول زُرعت ولم يكن لي بدٌّ من ملاحقتها أو زراعتها؟ سقايتها؟ مهما كان التشبيه المناسب، المهم أنني لم أرتح وقررت أن أتفحص ترجمة صالح علماني أكثر.

وهنا انهالت علي الصدمات...