منذ
فترة وأنا أرغب في القراءة للأستاذ يوسف القويري. وقد جاء هذا نتيجةً لقيام عدد من
القارئات والقُراء من ليبيا بلفت الانتباه إلى وجود هذا الأديب الليبي الذي كدنا
أن نقتله بالنسيان.
الأستاذ
يوسف القويري يُعتبر من رواد الحركة الثقافية التي ازدهرت في ليبيا بعد الاستقلال
وعبر الستينات، ثم اصطدمت بحائط انقلاب القذافي (أو ثورته، أنت حر!) سنة 1969. وقد
واجه الكثير من الكتاب عدة خيارات مختلفة، بعضهم ارتبط بنظام القذافي (سواءً بشكل
مباشر وملتصق بالقذافي، أو بشكل غير مباشر بتودد بسيط ودون صدام مع النظام)، بعضهم
التزم الكتابة الأدبية بعيداً عن الأضواء، بعضهم قلل من الكتابة لدرجة أنها كادت
تنعدم (وهنا سأذكر خليفة الفاخري رحمه الله كمثال)، وبعضهم شبه توقف كلياً عن
الكتابة، ويوسف القويري هو أحد هؤلاء. وبحسب مقالة للكاتب أحمد إبراهيم الفقيه (موجودة
على موقع ليبيا المستقبل) فإن القويري توقف عن الكتابة لما يقارب 30 سنة! ربما كان
نتاجه الوحيد فيها العمل على مسرحية. حين تكون خيارات الكاتب هي السجن (وحتى
القتل) أو المنفى أو الارتباط بنظام مستبد ودموي أو الصمت فإن اختيار الصمت يبدو
أمراً سهلاً، ربما هو ليس كذلك بالنسبة للأديب الذي يعاني من لعنة الإبداع والمفكر
الذي يحمل مسؤولية النهضة، ولكنه يبقى في كل الحالات مفهوماً.
وفي
هذه الأيام، وسط كل البشاعات التي يفيض بها فضاء الإنترنت الليبي (من تعصبات
جهوية، وانقسامات، وفقدان تام للإنسانية يدفع بالبعض لتداول صور الجثث والموت
والدمار بشماتة وحتى باحتفال ومع إيموجيات ضاحكة!) في وسط كل هذه البشاعة قام بعض
الشباب الليبيين من قارئات وقُراء بمنحنا هدية جميلة وهي إعادة التعريف بيوسف
القويري ونشر بعض كتبه على الإنترنت (بعضها تم رفعها إلكترونياً من قبل حركة تنوير،
وأُضيفت صفحة للكاتب على لموقع goodreads). بالطبع فإن مثل هذه "الحملة الثقافية" للتعريف بهذا
الكاتب لن تخلو من متحمسين يبالغون في حماستهم ويفيض مدحهم (بنية طيبة أو بنية
سيئة!)، ولن تخلو أيضاً ممن يقاومون كل جديد وينتقصون منه فوراً (ربما لتفادي
الاعتراف بخجل بأنهم كانوا يجهلون بوجود هذا "الجديد القديم"!). ولكن في
كل الحالات فإن أهم شيء هو عودة هذا الأديب الليبي إلى الساحة (لقد عاد حتى
للكتابة ونشر نصوص على صحيفة الأيام الإلكترونية الليبية)، والشيء الآخر المهم هو
القراءة، وما رافق هذه الحملة من قراءة لكتب الأستاذ القويري. وكغيري كنت من بداية
هذه الحملة أرغب في القراءة للأستاذ القويري والتعرف على أعماله.
الكسل
والحيرة في القراءة، والمزاج الملعون الذي يدفعك من كتاب لآخر ومن موضوع لآخر
ويجعل مجرد التفكير في الالتزام بقائمة قراءة أو جدول معين أمراً مثيراً للضحك (من
شدة كونه مثيراً للخجل!) كل هذا عطلني كثيراً عن القراءة للقويري. ولكنني أخيراً
تحمستُ قليلاً لكتابه "من مفكرة رجل لم يولد". لقد قرأتُ عنه نبذاً
قصيرة تصفه بأنه رواية خيال علمي. خيال علمي! أنا أحب الخيال العلمي! والمؤلف كاتب
يمتدح كثيرون براعته الأدبية، ويمدح كثيرون فكره وثقافته، وهو ليبي! رواية خيال
علمي ليبية كاتب ليبي يعتبر من رواد الأدب والفكر في ليبيا! لا بد أن أقرأها!
طبعاً
بعد هذه الحماسة تعطلتُ قبل قراءة الكتاب كثيراً (الحيرة في القراءة يجب أن تُصنف
على أنها مرض نفسي حقيقي!). ولكنني قمتُ أخيراً بقراءته!