الاثنين، 22 مايو 2017

زرايب العبيد لنجوى بن شتوان: قليلاً (أو كثيراً!) من الصراحة.



وجاءت جائزة الرواية العربية ومضت، وكانت ليبيا مُمثلة هذه السنة من قِبل نجوى بن شتوان وروايتها زرايب العبيد. سأكون صريحاً جداً وأقول إنني لم أهتم كثيراً بالرواية حين صدرت، أعني أثار فضولي صدور رواية لكاتبة ليبية من إحدى أشهر دور النشر العربية (دار الساقي)، ولكنني لم أهتم كثيراً.

ترشح الرواية لجائزة البوكر العربية منحها دفعة كبيرة، وشجع الكثيرين على قراءتها. حتى ولو كانت الجائزة قد أثبتت تدني مستواها أحياناً، وحتى وإن أثارت جدلاً كبيراً بتحولها إلى جائزة لدور النشر، فهنالك من تلفت انتباهه هذه الترشيحات فيقرأ. هؤلاء القُراء كانت تعليقاتهم في الأغلب إيجابية. يمدحون الرواية كثيراً، ويقولون إنها تستحق الجائزة (كانت حماسة القُراء الليبيين بالأخص كبيرة!). لم أستطع تجاهل الرواية بعد كل هذه الضجة، وقرأتها. وبما أن الجائزة قد جاءت ومضت كما قلنا، فأظن أننا هدأنا قليلاً ونستطيع الحديث عن الرواية بصراحة.

وبكل صراحة سوف أقول بأن الرواية لا تستحق جائزة. أي جائزة.

وأظن أنني يجب أن أوضح هنا نقطتين: الأولى أن الجوائز الأدبية ليست معياراً أصلاً، فهي في النهاية تمثل الرأي الضيق للجنة التحكيم فقط، وحتى أشهر جائزة أدبية في العالم (جائزة نوبل للأدب) يقال عنها كثيراً إنها لا تمثل الرأي العام للأدباء ولا الرأي العام للقراء، بل إن ذلك قيل عنها في أول سنة مُنحت فيها الجائزة! مُنحت الجائزة سنة 1901 للشاعر الفرنسي سولي برودوم، بعد أن تم تجاهل ترشيح تولستوي عمداً لأسباب سياسية (أولاد الكلب... تولستوي تاج راسهم!)، بعد أن وقعت هذه.. هذه الجريمة الفاضحة! بعث 42 كاتباً وناقداً وفناناً سويدياً رسالة إلى تولستوي يخبرونه فيها بأنهم لا يتفقون مع قرار لجنة الجائزة وأنهم يعتبرون أن المؤسسة التي تسيطر على الجائزة "لا تعبر لا عن رأي الفنانين ولا عن الرأي العام". منذ البداية كانت حقيقة الجوائز الأدبية معروفة. النقطة الثانية أن جائزة البوكر العربية تحولت إلى جائزة لدور النشر، وليس للكُتَّاب، شروط التقدم للجائزة تهتم بدور النشر فتضع شروطاً مثل أن يكون عمر دار النشر سنتين، وإذا سبق لها الفوز تستطيع تقديم كتابين، ولا أعلم، كلام كثير غريب هكذا. وبالتالي الفوز بالجائزة من عدمه ليس معياراً لقيمة أي عمل أدبي، أو بالأحرى ليس تقييماً لا يمكن انتقاده، وإنما هو تقييم تحكمه اعتبارات تجارية وسياسية وغيرها. ولكننا نعتبر أن الجائزة تعني أن العمل الأدبي قد حقق مستويات عالية من الإبداع والاتقان استحق عليها إشادة لجنة متخصصة، وإن كان هذا ما نفكر فيه حين نتحدث عن استحقاق الجوائز، فإن زرايب العبيد لا تستحق أي جائزة.

هل هي رواية سيئة لهذا الحد؟ كلا، عدم استحقاقها لأي جائزة سببه أن الرواية عادية – وهذه وجهة نظري الشخصية، فلا داعي للتحمس! وجهة نظري الشخصية هي أن الرواية عادية ومليئة بالعيوب لدرجة أنه من المُدهش أن تُمدح الرواية لهذه الدرجة. وهذا المدح لم يصدر من القُراء وحسب، بل صدر عن نُقاد وأدباء وتناقلته مواقع مشهورة وصحف عربية مشهورة، يعني بصراحة كانت فضيحة من وجهة نظري! أن يمدح بعض القراء على تويتر روايةً معينة لأنهم مثلاً استمتعوا بها ولم يهتموا بعيوبها شيء، وأن تُمدح الرواية على مستوى كُتاب وشعراء وأدباء وصحف معتبرة شيء آخر تماماً وفضيحة!

دعونا نتحدث عن هذه العيوب قليلاً.

السبت، 20 مايو 2017

سوانح فتاة؟ أم كنوز امرأة عظيمة؟





القارئ العربي في الأغلب يعرف عباس محمود العقاد، ويعرف طه حسين، ويعرف جبران خليل جبران، وعلى الأرجح يعرف أيضًا مي زيادة. وإن سألته عن كتب العقاد؟ فربما يقول لك أشهر ما كتب العبقريات. طه حسين؟ سيرته الشهيرة الأيام. جبران؟ النبي. ومي زيادة؟ آه.. كانت رائدة وما إلى ذلك، وكان يحبها العقاد وجبران والرافعي وكل من كان يقرأ ويكتب من معاصريها! ألا تعرف شيئًا عن أعمالها؟ كانت.. أديبة مميزة، ومن الرائدات. قرأتَ لها يومًا؟ قرأتُ مقالات عن صالونها الأدبي وحب كل أولئك العباقرة العظماء لها. وهي؟ أين مي زيادة؟ يا عمي قلنا لك رائدة وأديبة! خلاص!

هذه في الأغلب كانت سوف تكون ردة فعلي أنا نفسي منذ فترة. كلنا نعرف أن مي زيادة رائدة، كلنا نعرف أن كثيرين من معاصريها ذابوا فيها عشقًا. كلنا نعرف أنها رائدة. رائدة. رائدة. فهل نعرفها هي؟ كلا. وهنالك مجال كبير للحديث عن الهيمنة الذكورية التاريخية وعن اقتران ذكر هذه المرأة بعلاقاتها مع الرجال! سيرتها تكاد تُختزل في أن رجالًا أحبوها، على الأقل في الذاكرة الجمعية لقُراء العربية ذوي الثقافة المتواضعة (مثل حالاتي).

وفي مقابل هذه الذكورية المقيتة (أحلى تحية للنسوية) فإننا نجد أن لمي زيادة من يدركون قيمتها ويدرسون أعمالها ويهتمون بنتاجها فعلًا، وليس فقط برسائل حب جبران لها، وبعلاقتها بالعقاد.

على كل حال، كنتُ أرغب في القراءة لها منذ زمن بعيد، وازدادت هذه الرغبة مؤخرًا (ربما بسبب الصديقة المهووسة بها، أو ربما هي فقط تلك الرحلة التائهة بين الكتب والبحث عن الكتاب التالي). وعلى كل حال وجدتني أقرأ كتابها سوانح فتاة – وهو متوفر مجاناً على موقع مؤسسة هنداوي (بصيغ pdf وepub وkindle)، بالإضافة إلى عدد من مؤلفاتها ومقالاتها. موقع مؤسسة هنداوي رائع على فكرة فيه كمية كبيرة من الكتب الرائعة.

لقد كانت تجربةً رائعة.. وقبل أن أتحدث عن الكتاب سوف أقول إنني أُوصي بقراءته لكلّ من لا يعرف أو تعرف مي زيادة أو لم تتعرّف أو يتعرّف على أعمالها بعد.



حسناً، ما هو سوانح فتاة؟ هو مجموعة نصوص كتبتها مي، خواطر، مقالات، تأملات، وربما حتى قصص (أو مقالة/خاطرة قصصية)، ومسرحية. ويبدو من التواريخ التي تحملها بعض النصوص أن مي كتبتها ما بين 1913 و1916، أي ما بين 26 و30 من عمرها تقريبًا (هذه ملاحظة مهمة جدًّا، فلنتذكرها جيدًا). حسنًا. هذا وصف عاديٌّ جدًّا للكتاب. أعني، ماذا أقول أيضًا؟ في الأغلب طُبع الكتاب على ورق، أنا قرأته إلكترونيًّا (الرابط موجود في الأعلى، لا تدعوا الفرصة تفوتكم!). آه، نعم، الموضوعات. كلا هذا ليس مهمًّا. سأتحدث عن الدهشة!