الخميس، 17 أغسطس 2017

نوفيلا "السند المزيف" لتولستوي والدعاية المزيفة.



في الأيام الماضية أرسل لي بعض الأصدقاء الذين يعرفون حبي لتولستوي (بعبارات أخرى: الذين صدعتهم بهوسي بتولستوي!) خبراً حول نشر ترجمة جديدة لنوفيلا "السند المزيف" لتولستوي (السند المزيف. ليف تولستوي. ترجمة: نبيل يوسف. مراجعة: أنور إبراهيم. سلسلة الجوائز التابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب. 2017).

سعدتُ قليلاً بهذا الخبر (قليلاً لأن الحذر دائماً واجب!) وطفقتُ أقرأ المزيد عن هذه الترجمة الجديدة.

دينا مندور، رئيسة تحرير سلسلة الجوائز الناشرة لهذه الترجمة الجديدة، ذكرت في تصريحات منشورة على موقع "مبتدا" بتاريخ 19 أبريل 2017 أن "السند المزيف" رواية "لم يسبق نقلها من قبل إلى العربية".

وفي صحيفة "الدستور"، بتاريخ 10 مايو 2017، يُنسب لدينا مندور أنها "أكدت... اكتشاف نص أدبي للأديب الروسي ليو تولستوي، لم ينشر من قبل، مشيرةً إلى أنها وفريق عمل سلسلة الجوائز، قاموا ببحث متواصل للتأكد من ذلك، ولم يعثروا على معلومة تؤكد نشره مسبقاً، باستثناء أنه قد يكون نُشر في المدارس الكاثوليكية". كما أضافت دينا مندور بحسب الصحيفة أن النص "كتبه تولستوي قبل وفاته بوقت قصير، وربما يرجع عدم نشره إلى أنه تسبب له في مشاكل مع عائلته، لأنه يضم جزء من حياته".

أما هيئة تحرير سلسلة الجوائز، فقد نشرت مقالةً في "أخبار الأدب"، بتاريخ 17 يونيو 2017، جاء فيها أن هيئة تحرير سلسلة الجوائز قد عثروا "على درة تولستوي "السند المزيف" التي كتبها كآخر أعماله ونشرت بعد وفاته ولم تنشر باللغة العربية قبل اليوم". كما تضيف هيئة التحرير أن "السند المزيف" هي "بمثابة وصية تولستوي الأخيرة، التي نفذها هو نفسه في نهاية حياته، وكأنما كانت الرواية هي التجلي الروائي لتلك الوصية، أو هي مذكرة إيضاح فنية تقدم رؤيته للحياة والعالم".

وفي تصريحات خاصة لصحيفة "اليوم السابع"، بتاريخ 23 يوليو 2017، نُسب إلى دينا مندور قولها عن "السند المزيف" بأنها "صدرت في روسيا بعد وفاة تولستوي، وذلك لأنها تسببت في مشاكل كثيرة له مع أهل بيته، لأن أحداثها كانت تدور من داخل منزله".

كل ما سبق كلام جميل... لولا أنه مليء بالمعلومات الكاذبة!

السبت، 12 أغسطس 2017

تولستوي وجائزة نوبل.



في التدوينة السابقة (عن رواية زرايب العبيد) أشرتُ إلى أن الجوائز الأدبية لا تُعبِّر فعلاً عن رأي الأدباء ولا حتى عن الرأي العام، واستشهدت بأول جائزة نوبل للأدب مُنحت سنة 1901 والتي تجاهلت فيها اللجنة ترشيح تولستوي، أبرز عظماء الأدب في ذلك الزمن. من وجهة نظري لجنة جائزة نوبل لم تمنحه الجائزة لأن أعضاءها أغبياء؛ فقد ذكر رئيس اللجنة في تقريره لأكاديمية نوبل أنه معجبٌ بلا شك بالأعمال الخالدة الحرب والسلام وآنا كارينينا، ولكنه لا يستطيع أن يوافق على نظريات تولستوي الاجتماعية والسياسية، ولا محاولته (يقصد تولستوي) لإعادة كتابة العهد الجديد بطرية نصف روحانية ونصف عقلانية، وأخيراً استنكر رئيس اللجنة قيام تولستوي بإنكار ما وصفه بأنه حق الدول والأفراد في الدفاع عن أنفسهم. هذا يدل على غباء هذه اللجنة، لأن أفكار تولستوي مثلاً حول المقاومة السلمية (أو اللامقاومة) مهدت الطريق لغاندي ولمارتن لوثر كينغ اللذان تركا بصمتهما على القرن العشرين وعلى العالم كله. تولستوي اليوم من الممكن أن يستحق جائزة نوبل للسلام على كتاباته هذه! ولكن، هذا التقرير يوضح شيئاً أهم من غباء اللجنة: الحمد لله أن تولستوي لم يُمنح هذه الجائزة الحمقاء.

إن التقرير يوضح بأن جائزة نوبل للأدب هي منذ البداية جائزة متحيزة سياسياً وفكرياً. كلام تولستوي في ذلك الوقت ونقده الاجتماعي والسياسي لم يكن يعجب الأوروبيين الذين يريدون الحفاظ على المجتمع منقسماً طبقياً كما هو ويريدون الحفاظ على الممالك والحكومات كما هي، وبلا شك لم يكن يعجب تلك القارة الغارقة في الحروب والاحتلال أن تُنتقد حروبها هذه. وبالتالي، وبكل صراحة وقحة، صرَّح رئيس اللجنة بأنهم تجاهلوا أعمال تولستوي الأدبية واختاروا أن يحكموا عليه بأعماله الفكرية والاجتماعية والسياسية (وحتى الدينية!). وهذا ديدن كل الجوائز في كل مكان في العالم منذ بدء التاريخ. جائزة نوبل مشهورة بتحيزها (وغبائها) السياسي في جائزتي السلام والأدب، كل الجوائز الأدبية الأخرى كثيراً ما يتضح في اختياراتها التحيز السياسي أو الفكري أو الاجتماعي، التحيز للقضايا والأفكار والتيارات السائدة على حساب العمل الأدبي الفني والقيم الإنسانية.

وهكذا، نعود ونقول: الحمد لله أن تولستوي لم يُمنح جائزة نوبل، ولم يتلطخ اسمه بهذه التفاهة. تولستوي أكبر وأعظم...

والجدير بالذكر في هذا السياق أن تولستوي طُرح اسمه للترشح لجائزة نوبل في سنوات 1901، 1902، 1903، 1904، 1905، 1906، و1909 (تُوفي تولستوي سنة 1910). ولكن أظن أنه بعد السنة الأولى أصبح من غير الممكن منح الجائزة لـتولستوي بعد ما أثارته رسالة الكُتاب والفنانين والنُقاد السويديين من انتقادات، وبعدما أوضح تولستوي في رده بأنه يُفضل أن لا ينال الجائزة. وفي الحقيقة، فإن تولستوي علم بترشيحه سنة 1906 (أظن أنه لم يعلم بالسنوات الأخرى، وربما علم سنة 1906 لأن اسمه طُرح للترشح من قِبل أكاديمية روسية)، وقد راسل تولستوي صديقاً له، وهو كاتبٌ فنلندي، وطلب منه أن يسعى بكل ما يستطيع إن كان له أصدقاء في السويد لكي يحولوا دون منح الجائزة لــتولستوي، وقد ذكر في رسالته لصديقه الفنلندي أنه سيكون من المُحرج أن يرفض الجائزة إذا مُنحت له فالأفضل أن لا تُمنح له. من غير المعروف إذا ما كانت تلك الرسالة وذلك الصديق الفنلندي قد كان لهما دور في عزوف لجنة جائزة نوبل عن منح الجائزة لـــتولستوي، ولكن المثير للاهتمام أن أرشيف ترشيحات الجائزة، أي ترشيحات تولستوي الموجودة على الموقع الرسمي، تحمل في بعض الأحيان ملاحظة أن تولستوي ذكر أنه لا يريد الجائزة وسيرفضها إذا منحت له، فيبدو أن الأمر قد دخل رسمياً إلى اعتبار وسجلات جائزة نوبل.

على كل حال، بعد التدوينة السابقة التي ذكرتُ فيها الأمر، راودتني رغبة في ترجمة رسالة "السويديين" لــتولستوي وفي ترجمة رده عليهم... إنه شيء غبي، فأنا لا أعلم إن كانت هذه النصوص مترجمة للعربية، وهي في الأغلب مترجمة، كما أن هذه المدونة مجهولة ولا أريد نشرها (إلى الآن!). ولكن! سوف أسجلها في فضاء الإنترنت! لحاجةٍ في نفس يعقوب في الأغلب.. لا داعي للغموض، لأني أُقدس تولستوي، هذا كل ما هنالك! وبدون المزيد من المقدمات، فيما يلي رسالة السويديين لــتولستوي، يليها رد تولستوي.

رسالة الكُتَّاب والفنانين والنُقاد السويديين إلى تولستوي

إلى ليو تولستوي:

فيما يخص منح جائزة نوبل للأدب لأول مرة، فنحن المؤلفون والفنانون والنقاد الموقعون أدناه نرغب في التعبير عن إعجابنا بك. وعلى وجه الخصوص نحن نرى في شخصك ليس فقط الأب الأكثر إجلالاً لأدب اليوم، ولكنك أيضاً بالنسبة لنا أعظم وأعمق شاعر، والذي كان في رأينا الأجدر بأن يكون أول من يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار، حتى وإن لم تكن أنت نفسك قد سعيت أبداً لمثل هذا النوع من الجوائز. نحن نشعر بأننا ملزمون جداً بأن نُعلمك بأننا نعتبر أن المؤسسة التي تمتلك زمام السيطرة على الجائزة المقصودة، ونتيجةً لأعضائها الراهنين، لا تعكس رأي الفنانين ولا الرأي العام. يجب أن لا ينطبع في أذهان الدول الأخرى أن الفن الذي يأتي من المفكرين الأحرار والأشخاص المبدعين بحرية، حتى بين مواطنينا القاطنين بعيداً، لا يُقدر بصفته الأفضل جودةً والأعظم مكانةً من بين كل البقية.

توقيع:
George Nordensvan
Gustaf Janson
August Strindberg
P. Staaff
Per Hallström
Axel Lundegård
Oscar Levertin
Gustaf af Geijerstam
Karl-Erik Forsslund
Hilma Angered-Strandberg
Ellen Key
Hellen Lindgren
Nils Kreuger
Anders Zorn
Acke Andersson
Karl Nordström
Robert Thegerström
Albert Engström
Carl Larsson
Andreas Hallén
Wilhelm Peterson-Berger
Selma Lagerlöf (مُنحت جائزة نوبل للأدب سنة 1909)
Otto Sylwan
Sven Söderman
Tor Hedberg
Klas Fåhraeus
Verner v. Heidenstam (مُنح جائزة نوبل للأدب سنة 1916)
Henning Berger
Hjalmar Söderberg
Daniel Fallström
Henning v. Melsted
Edv. Alkman
Georg Pauli
Richard Bergh
Christian Eriksson
Oscar Björck
Eugène Jansson
Gustaf Wickman
Bruno Liljefors
Emil Sjögren
Wilh. Stenhammar
Tor Aulin

لن أترجم أسماء الموقعين للعربية، لا أستطيع أصلاً قراءتها!

رابط الرسالة على موقع جائزة نوبل بالإنجليزية:

رد تولستوي

أيها السادة،

واقع أن جائزة نوبل لم تُمنح لي أسعدني لسببين: أولاً، لأن ذلك أنقذني من الضرورة المؤلمة للتعامل بطريقةٍ أو بأخرى مع المال، الذي يعتبر عادةً شيئاً ضرورياً ومفيداً، ولكني أعتبره مصدر كل أنواع الشر. وثانياً، لأن ذلك منح أشخاصاً أحترمهم الفرصة ليعبروا عن تعاطفهم معي، الأمر الذي أشكركم جميعاً عليه من كل قلبي.

رابط الرد على موقع wikisource بالإنجليزية:



ملاحظة: قيمة الجائزة سنة 1901 كانت تقريباً 17,000 دولار، أي بما يعادل مبلغ 936,000 دولار تقريباً في الزمن الحالي (حسب فرق التضخم لسنة 2013، وفق ما نشرته جائزة نوبل حول قيمة الجائزة، وحسب فرق الصرف الحالي بين العملة السويدية والدولار الأمريكي، الرقم قد يكون مختلفاً! ولكن هذا حدي في المحاسبة والاقتصاد!). الرجل سعيد بتفادي كسب ما يعادل 900 ألف دولار، يعني مليون إلا 100 ألف! تاج راسكم يا ناس، تاج راسكم!

رابط جدول جائزة نوبل حول قيمة الجائزة بالمقارنة مع سنة 2013:



23 مايو 2017