اليوم، 25 سبتمبر، ذكرى
وفاة إدوارد سعيد، الذي غادر عالمنا سنة 2003. إدوارد سعيد مُفكرٌ مدهش، مثقفٌ
مُلتزم، رجلٌ شجاع، مُحللٌ بارع، باحثٌ دقيق، ويمكنني أن أتظاهر بأنني اليازجي
وأكتب فصلاً كاملاً من أوصاف المدح والتقدير تحت عنوان "مترادفات إدوارد
سعيد"! ولكنني أرغب في أن تكون هذه كتابة قصيرة (أمر شبه مستحيل معي! ولكني
سأحاول)، مجرد محاولة للتشجيع على قراءة إدوارد سعيد.
لماذا يجب أن نقرأ
لإدوارد سعيد؟
إذا كنا من الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا (وهو ما سأشير له بأنه "الشرق" من باب الاختصار لا الإقرار)، فإن إدوارد سعيد سوف
يساعدنا على إزالة الصور الوهمية التي رسمها لنا الغرب (مصطلح آخر للاختصار) والتي – للأسف – يساهم بعض أهل
الشرق في إعادة رسمها والحفاظ عليها. سوف يكشف لنا إدوارد سعيد وجود مؤسسة
الاستشراق، وسوف يوضح لنا منهجية نقدية بحثية دقيقة لدراسة علاقات الهيمنة والخضوع
والصراعات الثقافية المتخيلة، وسوف يفعل ذلك بشجاعة مدهشة والتزام صامد بمواقفه.
ولكن، ما هي مؤسسة
الاستشراق؟
حين نقرأ لإدوارد سعيد
سنُدرك وجود مؤسسة الاستشراق، التي لا يُقصد بها مؤسسة حقيقية، مبنى وشركة ومدير
عام وموظفين! ولكن هذا وصف مجازي يُشير إلى ظاهرة موجودة ومستمرة، بالتحديد
في تعامل الغرب مع الشرق من الناحية المدنية (الأكاديمية، الثقافية، الفنية، إلخ)
ومن الناحية السياسية (السياسات الحكومية، الدبلوماسية، العلاقات الدولية، إلخ) (باستعارة مفاهيم غرامشي التي يستخدمها إدوارد سعيد كثيراً). ولكي
نعطي مثالاً يُقرب الفكرة، يمكننا مقارنة مؤسسة الاستشراق بمؤسسة البطريركية (الأبوية)، أي
ظاهرة الهيمنة الذكورية في العالم: لا يوجد شخص واحد أو جهة واحدة وراءها، ولكنها
ظاهرة منتشرة وأفكارها النمطية التعميمية متغلغلة في كل جوانب الحياة؛ المرأة
ضعيفة، المرأة ليست ذكية، المرأة لا تستطيع فعل هذا أو ذاك، المرأة تسيطر عليها
عواطفها، إلخ إلخ إلخ، والنتيجة العملية أن المرأة بالرغم من كونها تمثل
نصف المجتمع إلا أنها لا تؤدي دوراً في المجتمع يتوافق مع ذلك، فهي مثلاً لا تتولى
نصف المناصب السياسية أو الإدارية في المجتمعات (في العالم كله، وليس في الشرق فقط،
مع استثناءات هنا وهناك). هذا تأثير مؤسسة
البطريركية التي رسخت مكانة الرجل العليا ورسخت صورة وهمية للمرأة تضعها في
مستوى أدنى. نفس الشيء تفعله مؤسسة الاستشراق فيما يخص الشرق، من حيث نشر صور نمطية
تعميمية وهمية عن الشرق، تؤدي إلى نتائج عملية في التعامل
المدني والسياسي مع الشرق؛ فنرى صور الشرقيين في الأفلام والمسلسلات مثلاً دونية
ونمطية وعبيطة، ونرى سياسات الدول الغربية تجاه الشرق (وبالأخص الشرق المسلم) عدوانية
ودفاعية وتجريمية.