الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

كيف تتحدث عن كتب لم تقرأها: أو كيف تحاول أن تقنع العالم بأن يأكل الزبالة!



...كيف تتحدث عن كتب لم تقرأها: الكتاب الذي ألفه شخص لا يريدك أن تقرأ الكتب

كيف تتحدث عن كتب لم تقرأها؟ الإجابة بسيطة جداً:  إما أن تتحدث بالاستناد إلى ما تعرفه عن الكتاب (كلام لصديق تثق في رأيه أو مراجعات قرأتها هنا وهناك أو حتى كلام سمعته عن الكتاب في أحد الأفلام)، أو يمكن لحديثك عن الكتاب أن يكون ببساطة اعتذاراً عن الحديث عنه وربما إن راودك الفضول أن تسأل من قرأه عنه، وفي الحالتين تقول بصراحة بأنك لم تقرأ الكتاب.

بيير بيار لا يظن ذلك. الأمر ليس بهذه البساطة بالنسبة له. بالنسبة لبيير بيار قراءة الكتب من عدمها (كمعيار لثقافة المرء) أمر له تداعيات نفسية واجتماعية عميقة لدرجة أنها تستدعي استحضار نظريات فرويد عن التحليل النفسي (يا ساتر!). الخجل، أو لاستخدام كلمة تُهوِّل من الأمر بما يتوافق مع كلام بيير بيار، العار الذي يلحق بك لأنك لم تقرأ هذا الكتاب أم ذاك هو شيء يتطلب تأليف كتاب كامل عن تجاوز هذا العار وكيفية التعامل معه. كتاب "كيف تتحدث عن كتب لم تقرأها" يكاد يكون كتاب علاج نفسي لإقناعك بأنك طبيعي، بأن كل شيء سيكون على ما يرام، المجتمع يجب أن يتقبلك، لا تقلق، لا تخف، ولا تقرأ!

إنها مقدمة عنيفة قليلاً، ولكي لا تكون عنيفة كلياً فسأعترف بأنه كتاب ذكي، فيه تحليلات دقيقة وقيمة للأدب والنقد وإشارات لكتب مناسبة بدقة عالية لموضوع الكتاب (وهو شيء طبيعي، فبيار أستاذ جامعي في الأدب)، بالإضافة إلى أن الكتاب فيه أيضاً تحليل اجتماعي ممتاز لتفاعل الكتب في حياتنا ودورها في علاقتنا الإنسانية (أظن أن بيار هو أيضاً مُحلل نفسي). هذه الأمور كما ذكرت قيمة للغاية، وهي ما يجعلني لا أندم كلياً على قراءة هذا الكتاب، وربما حتى قد يقنعني، ليس بأن أنصح أحداً ما بقراءته، ولكن إن وجدتُ شخصاً يهم بقراءته فقد أقول له بأنه كتاب يستحق أن تكمل قراءته (رغماً عن أنف بيار الذي لا يريدنا أن نقرأ!). ولا أعلم، على حسب الظروف، ربما أجد نفسي في موقف يتطلب أن أنصح شخصاً ما بقراءة الكتاب. الكتاب ذكي وفيه معلومات قيمة (كلمة قيمة أحاول بها تبرير مدح الكتاب، لذلك أرجو احتمالها!)، وهو يعطي زاوية رؤية جديدة على العالم الأدبي والنقدي والساحة الثقافية. ومع هذا المدح، نقول بأن الكتاب أيضاً ممل، أسلوبه أكاديمي كثيف (كتبه أستاذ جامعي، أمر متوقع) بين الحين والآخر قد تكون هنالك عبارة شاعرية، أو استنتاج حكيم.

فكرة الكتاب الأساسية هي فكرة وصفتها لأحد الأصدقاء بأنها زبالة. وأظن أنني أستطيع تلخيص عبرة الكتاب فيما يلي:
-       لا يوجد شيء اسمه ثقافة شاملة، أي ثقافة ستكون فيها ثغرات، وهذا شيء طبيعي وحتمي ولا داعي للخجل منه.
-       القراءة سيئة، لأنها (1) تأخذ منك وقتاً ومجهوداً لا يمكنك تضييعه إن كنت تريد التعرف على أكبر عدد من الكتب و(2) تسلب منك ذاتك وأصالتك بمجازفة أنك قد تتأثر بالكتاب.
-       يمكنك الحديث عن كتب لم تقرأها، بالاعتماد على كتب أخرى مثلاً، بالاعتماد على أفكارك السابقة، بالاعتماد حتى على خيالك وتأليفك. الجميع يفعلون ذلك.
-       الأفضل لك أن تتحدث عن كتب بدون أن تقرأها، لأن المهم هو رأيك وشخصيتك، الكتاب بالنسبة لك (أو للناقد) هو مثل الطبيعة للفنان أو الحياة للروائي، هي مجرد "عذر" ليُنتج عملاً فنياً، والنقد هو أيضاً عمل فني يستغل الكتب كمجرد عذر لكي تعبر عن نفسك.
-       زبالة.