الأحد، 15 يوليو 2018

تولستوي وصوفيا: بين الحقائق والأوهام


مقدمة

في الأيام الماضية أثير نقاش حول علاقة ليو تولستوي بزوجته صوفيا آندرييفنا... للمرة الألف بعد المليون يُثار نفس النقاش. زواجهما كان بلا شك معقداً ومن أشهر الزيجات التعيسة في تاريخ الأدباء والمفكرين. وبالرغم من أن هذا النقاش يُثار طوال الوقت لدرجة أنني أكاد أكتسب مناعة ضد الصرع الذي يصيبني به الموضوع بسبب خلط الناس بين الموضوعية وبين التحيز (لا توجد موضوعية في الاستناد إلى كلام صوفيا وحدها ونقد وشتم تولستوي دون الاطلاع على كل الوقائع! إنه ذلك الخطأ الشهير الذي يفترض بأن النقد يعني الذم وبأن الموضوعية تعني أن تشتم العظماء!)، بالرغم من ذلك فإنني هذه المرة أريد التعليق ببعض التفصيل على الأمر والرد على بعض ما قيل ويُقال عن الأمر. السبب الأول أنني دائماً أدافع عن تولستوي حين يقتضي الأمر الدفاع عنه، والسبب الثاني أن النقاش الذي أُثير في الأيام الماضية ارتبط أيضاً بالحديث عن ترجمة عربية لسيرة ذاتية كتبتها صوفيا سوف تُنشر عما قريب.

أريد أن أتوقف هنا لحظة، وأتساءل: هل من العدل أن تُنشر مذكرات صوفيا المليئة بعواطفها المتحيزة وكلامها الدفاعي ونقدها لزوجها دون أن تُنشر أيضاً مذكرات تولستوي التي تسجل معاناته؟ بل هل من الأولوية أن تتُرجم وتنشر المذكرات والمراسلات قبل أن تُترجم وتُنشر كتب سيرة جادة وموسعة عن تولستوي؟ ناهيك عن أن أعمال تولستوي الفكرية مازالت المكتبة العربية تفتقر لها. هنالك اختلالٌ حاد في أولويات دور النشر، ولا غرابة في ذلك، مذكرات تولستوي المتحفظة والمليئة بالتأملات والأفكار الأدبية والفلسفية والدينية لن تجذب القراء (والمُشترين!) بنفس الدرجة التي ستجذبهم بها مذكرات صوفيا التي (يا لهوي!) سوف تفضح هذا الرجل العظيم!

ولهذا قررتُ أن أحاول الكتابة عن الموضوع ببعض التفصيل، للرد على بعض الأخطاء والأوهام المتداولة وأيضاً لنشر نص أو بحث أو مقالة، بمراجع موثقة، تحاول عرض القصة كاملة، أو على الأقل تحاول بيان موقف تولستوي والدفاع عنه. العالم يُجن بسبب مقالة هنا أو فقرة في كتاب هناك، وينطلق البعض متحمسين لفضح تولستوي وكشف حقيقته الصادمة! فماذا سيحدث حين تُنشر مذكرات صوفيا؟! أظن أن كثيرين سيستمرون في فعل نفس الشيء: سيظنون أن الموضوعية والإنصاف تعني تصديق كل كلام صوفيا ووجهات نظرها وإدانة تولستوي وشتمه دون أن يتعبوا أنفسهم بالاطلاع على وجهة نظره. ولذلك، لعل هذا الكلام يُسقط الضوء على بعض التفاصيل التي يتجاهلها كثيرون.

ولأن الموضوع كبير وطويل ومعقد، ولأنني بصراحة أحب تولستوي جداً ومستعد لتأليف كتاب كامل عنه! وأيضاً لأن المراجع كثيرة وكبيرة ويمكن تحليلها بالتفصيل الممل (وهو ما لا يفعله جماعة: فضيحة تولستوي الصادمة!)، فإنني سأحاول الرد على بعض النقاط التي أُثيرت الأيام الماضية وبعض المراجع التي تم الاستناد إليها، وسأحاول قدر الإمكان توفير مراجع لما أقوله وذكر مصادر معلوماتي عن تولستوي – بعض المعلومات مشهورة ومنتشرة ولكن يكون هناك داعٍ لذكر مراجع لها، يعني لازم أحترم كسلي قليلاً!

وفي هذا السياق أود أن أذكر ملحوظتين: غالبية مراجعي (إن لم تكن كلها) باللغة الإنجليزية، والاقتباسات التي سترد في ما سأكتبه هي من ترجمتي الشخصية (حقوق النشر محفوظة!)، كما أنني سوف أستخدم أسلوب الإشارة للمراجع ضمن النص نفسه عوضاً عن إدراجها في الهوامش، وسوف أكتب الإشارة بصيغة مختصرة (عنوان مختصر، الصفحة)، فمثلاً كتاب Autobiography of Countess Tolstoy سأسميه اختصاراً "سيرة صوفيا"، فتكون الإشارة له (سيرة صوفيا، ص150)، وفي نهاية الكتابة سوف أضع قائمة بالمراجع وتفاصيلها.